يقود عدد من المثقفين والقانونيين والصحفيين في البلاد حملة لإيقاف حالات التضييق التي تطال حرية التعبير عن الرأي والنشر، حيث أصدرت شبكة تضم عشرات المحامين العراقيين، مذكرة احتجاج على تلك الحالات المتكررة، متهمين أعلى سلطة قضائية في البلاد بارتكاب «مخالفات قانونية» تتعلق بمذكرات إلقاء قبض على إعلاميين ومواطنين عراقيين.
انحياز لأجندات سياسية
واعتبر مدير مكتب السلامة الإعلامية المهنية في نقابة صحفي كوردستان ومدرب الاتحاد الدولي للصحفيين محمد عقراوي، أن «قرارات المحكمة الاتحادية فيما يخص مذكرات إلقاء القبض على صحفيين ومواطنين عبروا عن آرائهم أو كتبوا عن ذلك، مخالف للمعايير الدولية ومخالف للدستور العراقي، والمحكمة الاتحادية خالفت القسم بسبب عملها وانحيازها لأجندات سياسية، وهي بذلك تخالف ميثاق الأمم المتحدة وممثلية حقوق الإنسان».
ويقول عقراوي إنه «لا يمكن المعالجة إلا بتطبيق القانون والدستور».
ويرى، أن «الصحافة والصحفيين يمثلون السلطة الرابعة، وكون نظام الحكم في العراق ديمقراطي فيدرالي لذلك فإن أي انتهاك أو اعتداء بحق الصحفيين يعتبر مخالفاً للدستور العراقي الفيدرالي».
واستدرك عقراوي قائلاً: «إلا أنه وبسبب غياب الإعلام الحر وحرية التعبير وغلق أفواه الصحفيين لكي لا يكون هنالك من يكشف الفساد والجرائم في العراق بكافة أشكالها، ولأن العراق لا يزال لا يملك السيادة الكاملة بسبب التدخلات الخارجية وسيطرة الأحزاب والميليشيات على مقدرات البلد، كل ذلك يمنع إصدار قانون للصحافة في العراق»، مشيرا إلى أنه «في حال تم تفعيل القانون سيكون عاملاً أساسيا لحماية الصحفيين وحماية حرية التعبير».
واتهمت «شبكة المحامين المتطوعين للدفاع عن حرية التعبير» مؤسسات عراقية بينها القضاء، بـ «إصدار أوامر اعتقال ومنع وفصل بحق إعلاميين ومواطنين عراقيين»، مشيرة إلى أن هذه الأوامر «تصادر حرية التعبير» التي كفلها الدستور العراقي ومعايير حقوق الإنسان الدولية.
و دانت الشبكة، التي تضم 130 محاميا، أي انتهاك لمبدأ سيادة القانون، ورفضت التعامل مع قضايا الاختلاف في الرأي خارج الأطر القانونية، وفق ما جاء في البيان.
وقال المنسق العام للشبكة دلوفان برواري، إن مذكرة الاحتجاج تأتي ردا على «انتهاكات حرية الصحافة من جانب المجلس الأعلى للقضاء وهيئة الإعلام».
وأوضح برواري، أن «قضية شبكة الإعلام العراقي، المتعلقة ببرنامج (المحايد)، الذي يقدمه سعدون محسن ضمد، وضيفه سرمد الطائي، تعتبر نقطة تحول هامة في ما يتعلق بالحريات في العراق، وهي تمثل القشة التي قسمت ظهر البعير».
وكانت السلطة القضائية قد اتهمت الإعلامي سرمد الطائي، بـ «الإساءة» للقضاء، بعد مداخلته في برنامج حواري بث على قناة العراقية الأسبوع الماضي، وأثارت المداخلة ردود فعل سياسية غاضبة، أدت إلى صدور مذكرة إلقاء قبض بحقه.
خفض سقف الحريات
من جانبه يقول المحامي سالار صلاح، إن «حرية التعبير شهدت ازدهاراً في العراق ما بعد 2003 ولكن هذا الازدهار آخذ بالانكماش يوماً بعد آخر».
ويرى أن «المؤسسات التشريعية أصبحت تقيد الحريات بحجة حماية الأمن ومكافحة الإرهاب وحفظ هيبة الدولة والسلطات التشريعية والرموز والشخصيات الدينية».
ووقع مئات من المثقفين والناشطين المدنيين والكتاب الأكاديميين العراقيين، بيانا استنكروا فيه انخفاض سقف الحريات المدنية في العراق، لافتين إلى تزايد أوامر الاعتقال الصادرة بحق ناشطين وأدباء وإعلاميين وأصحاب رأي.
وأشاروا في البيان الذي حمل عنوان «دفاعا عن حرية التعبير»، إلى «انتهاكات» طالت مجال الحريات المدنية، بالاستناد إلى «قوانين سُنّت في زمن النظام الشمولي السابق».
وحل العراق في المرتبة 163 من بين 180 بلدا في مؤشر حرية الصحافة لعام 2022، وفقا لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، ومقرها باريس.
وبحسب مراقبين، فإن النصف الأول من عام ٢٠٢٢ شهد ارتفاعاً بمعدل الشكاوي والتحري والقبض بحق الصحفيين والإعلاميين، إضافة إلى المدونين وصناع المحتوى بشكل يؤشر انحداراً بمساحة التعبير وحرية الرأي، إذ أصبحت الشكاوي التي تنظر وفق قوانين الحقبة الديكتاتورية بشكل مضاعف وملفت، وأن هناك محاولات للسيطرة وإسكات الأصوات الحرة في إصلاح الشؤون الداخلية ومحاسبة المفسدين، وإنصاف المضطهدين وأخذ حقوق المستضعفين والمهمشين وفق الأطر والقواعد القانونية التي أقرها دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥.